الجمال يحتاج إلى تميز..
فيلم "Up" بدأ بتحطيم كل القواعد والحدود منذ صدر للمرة الأولى كي تراه عيون المشاهدين، إذ كان فيلم الافتتاح لمهرجان كان السينمائي لهذا العام، ليكون أول فيلم يستخدم أسلوب الـ 3D في هذا المهرجان العالمي الأهم، وأول فيلم كرتوني يفتتح هذا المهرجان على الإطلاق.
وحاز الفيلم على رضى النقاد بشكل عام، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً، فنسبة 98% من النقاد أكدوا مدى محبتهم وإعجابهم بالفيلم، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً، لاحظ أن النقاد عادة ما يكونون كثيري التركيز على التفاصيل، وأغلبهم من أهل من لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب كما يُقال.
وحافظ الفيلم على قمة شباك التذاكر الأمريكي منذ صدوره لأسبوعين، فهو على القمة حتى اللحظة التي كُتب بها هذا المقال، ليكون أول الأفلام لعام 2009 الذي يحافظ على هذه القمة الصعبة، خصوصًا مع كمية الأفلام المهولة التي تصدر مؤخرًا.
وبيكسار، شركة إنتاج الأفلام الكرتونية والأنيميشين المعروفة، على ما يبدو تصر على إثارة دهشتنا كل مرة، باختيارها أغرب العلاقات الإنسانية في أفلامها، فبعد أن شاهدنا الروبوتات التي تحب بعضها في "WALL-E"، والأبطال الخارقين الذين يعانون من الفراغ النفسي والمشاكل العائلية في "The Incredibles" والسيارات التي لا تمتلك ذكاءً اجتماعيًا في "Cars"، حان الوقت الآن لنشاهد الرجل ذا الستة والسبعين عامًا الذي يريد أن يكتشف العالم في منزل طائر..
لذا، تعال معي لأعرفك على كارل
فكارل، الفتى الصغير الذي يرتدي نظارات الطيارين، ويجلس في قاعة السينما الأبيض والأسود، منذ ما يقارب السبعين عامًا من اليوم.
لم يكن يعرف "كارل" أن السبعين عامًا المقبلة سيقضيها كزوج محب حقًا لفتاة سيقابلها اليوم، فتاة مشعثة الشعر عاشقة للرحلات، تكلمه عن حلمها الأبدي بالذهاب إلى "شلالات الجنة" في أمريكا الجنوبية، تريد أن تحمل منزلها الملون من هنا، وتنقله إلى هناك، إلى شلالات الجنة.
هاهو كارل يكبر، سنة بعد سنة يتغير، يتزوج حبيبته "إيلي" ويعمل كبائع بالونات، تضمه بين يديها ويمشيان معًا في الحياة، يجمعان الدولار وراء الدولار من أجل رحلة إلى شلالات الجنة، يواجهون مصاعب الحياة معًا، ويضطرون لاستخدام نقودهم المخزونة مرة وراء مرة، والحلم يبتعد أكثر.
ولكن الحلم رحل فجأة، عندما رحلت "إيلي" نحو الجنة الحقيقية، تاركة زوجها "كارل" من ورائها، محطم الفؤاد، عجوزًا حزينًا يعيش في منزله الصغير، يحاول أن يحافظ على حياته كما تركتها له زوجته، رغم كل المصاعب، رغم كل الأحزان.
ثم يحدث ما يجعله يقرر أنه قد حان الوقت أن يرحل..
وهكذا، ملأ ملايين البالونات الملونة بغاز الهليوم، ربطها إلى منزله الحبيب، وقرر أن يطير..
ووجهته كانت هي... شلالات الجنة.
طبعًا كانت هناك مشكلة صغيرة، كان هناك فتى سمين لطيف المعشر يريد المساعدة، كثير الكلام، قليل الفائدة صعب المراس وكثير النواح، واقف على باب المنزل عندما انطلق في رحلته نحو تلك الشلالات لهذا وجب ذكر الأمر، خصوصًا وأن كارل لم يكن سعيدًا على الإطلاق بهذه الصداقة.
كلاب متكلمة وعصافير ضخمة تحبك بلا أسباب منطقية، والمشي عبر الغابات مع منزلك مربوط على كتفيك، طائرات يقودها كلاب مدربة ورجل عجوز يدعوك إلى عشاء فاخر ثم يقرر قتلك، الكثير من القصص المتتالية المترابطة رائعة الجمال التي تشدك إلى الشاشة طوال الوقت فلا تستطيع فكاكًا.
الفيلم لا يحتاج إلى نقد، بل يحتاج إلى قصيدة شعرية تسمح لك بتأمل جماله وإدراكه، فالسيناريو المحسوب بكل تفاصيله وكل قصة صغيرة ترابطت وتجدلّت لتصنع قصة الفيلم تستحق النظر والتأمل، كل تفصيلة في شخصيات الفيلم المختلفة المرسومة بدقة والمصممة بتميز يكاد يقارب الكمال ترتبط بك إلى أقصى درجة وتجعلك متابعًا غير قادر على التوقف عن النظر.
الحوار مصنوع بشكل رائع أيضًا، مع ملايين النكت الممتعة التي تتبادلها الشخصيات وتصنع منها منحنى كوميديا مميزا للفيلم الرائع، وتسمح لك بالاستمتاع بضحكات غير معقولة في الفيلم.
نهاية تدفع الدموع إلى عينيك، لتسخف بنفسك حقًا، هل دمعت عيناي بالفعل في فيلم كرتوني لشخصيات غير موجودة من الأساس ولم يقم بتمثيلها أحد؟! في الواقع هذا ما حدث.
وهذا يأتي بك إلى ناحية جديدة تمامًا في أفلام الكرتون، فهناك روعة في تمثيل الشخصيات، أي أن الشخصيات المختلفة تمثل تمامًا كأنما أنت تشاهد ممثلين رائعين يقدمون شخوصًا أنت تستمتع بها، هاهنا الاختلاف الأهم ما بين الأفلام الأنيميشين والأفلام الحقيقية، فأنت لا تستطيع أن تأتي بعدد مهول من الممثلين ليقدموا كل شخصية ثانوية في أي فيلم تقدمه، ولكنك في الأفلام الأنيميشين تستطيع أن تقدم كل شخصية لتكون ممثلة من ممثل رائع الأداء مميز وواضح، الرسامون يخلقون الشخصيات لتتناسب مع الدور بأشكالها وحركاتها وطريقة كلامها وكل شيء فيها، إنهم يرسمون الممثل ليناسب الدور بكل جوارحه، بكل تفاصيله مهما كانت، إنه حلم كل مخرج في التاريخ، وبيكسار تحققه الآن في كل فيلم.
الفيلم يستحق المشاهدة حقًا، من أجل الموسيقى التصويرية الرائعة، من أجل الرسوم الممتعة والمذهلة، من أجل الشخصيات المرسومة بدقة من الخارج ومن الداخل، من أجل كل شيء، من أجل أنه فيلم بيكسار، وبيكسار تفوز دائمًا.
فيلم "Up" بدأ بتحطيم كل القواعد والحدود منذ صدر للمرة الأولى كي تراه عيون المشاهدين، إذ كان فيلم الافتتاح لمهرجان كان السينمائي لهذا العام، ليكون أول فيلم يستخدم أسلوب الـ 3D في هذا المهرجان العالمي الأهم، وأول فيلم كرتوني يفتتح هذا المهرجان على الإطلاق.
وحاز الفيلم على رضى النقاد بشكل عام، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً، فنسبة 98% من النقاد أكدوا مدى محبتهم وإعجابهم بالفيلم، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً، لاحظ أن النقاد عادة ما يكونون كثيري التركيز على التفاصيل، وأغلبهم من أهل من لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب كما يُقال.
وحافظ الفيلم على قمة شباك التذاكر الأمريكي منذ صدوره لأسبوعين، فهو على القمة حتى اللحظة التي كُتب بها هذا المقال، ليكون أول الأفلام لعام 2009 الذي يحافظ على هذه القمة الصعبة، خصوصًا مع كمية الأفلام المهولة التي تصدر مؤخرًا.
وبيكسار، شركة إنتاج الأفلام الكرتونية والأنيميشين المعروفة، على ما يبدو تصر على إثارة دهشتنا كل مرة، باختيارها أغرب العلاقات الإنسانية في أفلامها، فبعد أن شاهدنا الروبوتات التي تحب بعضها في "WALL-E"، والأبطال الخارقين الذين يعانون من الفراغ النفسي والمشاكل العائلية في "The Incredibles" والسيارات التي لا تمتلك ذكاءً اجتماعيًا في "Cars"، حان الوقت الآن لنشاهد الرجل ذا الستة والسبعين عامًا الذي يريد أن يكتشف العالم في منزل طائر..
لذا، تعال معي لأعرفك على كارل
فكارل، الفتى الصغير الذي يرتدي نظارات الطيارين، ويجلس في قاعة السينما الأبيض والأسود، منذ ما يقارب السبعين عامًا من اليوم.
لم يكن يعرف "كارل" أن السبعين عامًا المقبلة سيقضيها كزوج محب حقًا لفتاة سيقابلها اليوم، فتاة مشعثة الشعر عاشقة للرحلات، تكلمه عن حلمها الأبدي بالذهاب إلى "شلالات الجنة" في أمريكا الجنوبية، تريد أن تحمل منزلها الملون من هنا، وتنقله إلى هناك، إلى شلالات الجنة.
هاهو كارل يكبر، سنة بعد سنة يتغير، يتزوج حبيبته "إيلي" ويعمل كبائع بالونات، تضمه بين يديها ويمشيان معًا في الحياة، يجمعان الدولار وراء الدولار من أجل رحلة إلى شلالات الجنة، يواجهون مصاعب الحياة معًا، ويضطرون لاستخدام نقودهم المخزونة مرة وراء مرة، والحلم يبتعد أكثر.
ولكن الحلم رحل فجأة، عندما رحلت "إيلي" نحو الجنة الحقيقية، تاركة زوجها "كارل" من ورائها، محطم الفؤاد، عجوزًا حزينًا يعيش في منزله الصغير، يحاول أن يحافظ على حياته كما تركتها له زوجته، رغم كل المصاعب، رغم كل الأحزان.
ثم يحدث ما يجعله يقرر أنه قد حان الوقت أن يرحل..
وهكذا، ملأ ملايين البالونات الملونة بغاز الهليوم، ربطها إلى منزله الحبيب، وقرر أن يطير..
ووجهته كانت هي... شلالات الجنة.
طبعًا كانت هناك مشكلة صغيرة، كان هناك فتى سمين لطيف المعشر يريد المساعدة، كثير الكلام، قليل الفائدة صعب المراس وكثير النواح، واقف على باب المنزل عندما انطلق في رحلته نحو تلك الشلالات لهذا وجب ذكر الأمر، خصوصًا وأن كارل لم يكن سعيدًا على الإطلاق بهذه الصداقة.
كلاب متكلمة وعصافير ضخمة تحبك بلا أسباب منطقية، والمشي عبر الغابات مع منزلك مربوط على كتفيك، طائرات يقودها كلاب مدربة ورجل عجوز يدعوك إلى عشاء فاخر ثم يقرر قتلك، الكثير من القصص المتتالية المترابطة رائعة الجمال التي تشدك إلى الشاشة طوال الوقت فلا تستطيع فكاكًا.
الفيلم لا يحتاج إلى نقد، بل يحتاج إلى قصيدة شعرية تسمح لك بتأمل جماله وإدراكه، فالسيناريو المحسوب بكل تفاصيله وكل قصة صغيرة ترابطت وتجدلّت لتصنع قصة الفيلم تستحق النظر والتأمل، كل تفصيلة في شخصيات الفيلم المختلفة المرسومة بدقة والمصممة بتميز يكاد يقارب الكمال ترتبط بك إلى أقصى درجة وتجعلك متابعًا غير قادر على التوقف عن النظر.
الحوار مصنوع بشكل رائع أيضًا، مع ملايين النكت الممتعة التي تتبادلها الشخصيات وتصنع منها منحنى كوميديا مميزا للفيلم الرائع، وتسمح لك بالاستمتاع بضحكات غير معقولة في الفيلم.
نهاية تدفع الدموع إلى عينيك، لتسخف بنفسك حقًا، هل دمعت عيناي بالفعل في فيلم كرتوني لشخصيات غير موجودة من الأساس ولم يقم بتمثيلها أحد؟! في الواقع هذا ما حدث.
وهذا يأتي بك إلى ناحية جديدة تمامًا في أفلام الكرتون، فهناك روعة في تمثيل الشخصيات، أي أن الشخصيات المختلفة تمثل تمامًا كأنما أنت تشاهد ممثلين رائعين يقدمون شخوصًا أنت تستمتع بها، هاهنا الاختلاف الأهم ما بين الأفلام الأنيميشين والأفلام الحقيقية، فأنت لا تستطيع أن تأتي بعدد مهول من الممثلين ليقدموا كل شخصية ثانوية في أي فيلم تقدمه، ولكنك في الأفلام الأنيميشين تستطيع أن تقدم كل شخصية لتكون ممثلة من ممثل رائع الأداء مميز وواضح، الرسامون يخلقون الشخصيات لتتناسب مع الدور بأشكالها وحركاتها وطريقة كلامها وكل شيء فيها، إنهم يرسمون الممثل ليناسب الدور بكل جوارحه، بكل تفاصيله مهما كانت، إنه حلم كل مخرج في التاريخ، وبيكسار تحققه الآن في كل فيلم.
الفيلم يستحق المشاهدة حقًا، من أجل الموسيقى التصويرية الرائعة، من أجل الرسوم الممتعة والمذهلة، من أجل الشخصيات المرسومة بدقة من الخارج ومن الداخل، من أجل كل شيء، من أجل أنه فيلم بيكسار، وبيكسار تفوز دائمًا.