استمر النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى وصل عامه الثالث والستين داعيا إلى الله عزّ وجلّ، وعندما ترى فترة دعوته تتعجب من كم الابتلاءات التي مرَّ بها النبي وكمية ما تعرَّض له بل وتسمعه يقول: "قد أُخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يُؤذى أحد، ولقد أتت عليَّ ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولـ"بلال" طعامٌ يأكله ذو كبد، إلا شيء يواريه إبط بلال" رواه الترمذي.
وكانوا يجعلوه ماضيا في أحد طرق مكة ويأتي أحد الكفار بقفة ممتلئة بالتراب ويلقيها على رأس النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكانوا يتخفّون له في طرقات مكة وفي يد الواحد منهم قبضة من تراب وعندما يمر كانوا يلقون قبضة التراب على وجهه الشريف فيمتلئ وجهه بالتراب؛ فيعود إلى بناته فإذ ببناته يبكين وإذ بالنبي يصبّرهنّ ويبشّرهنّ بأن الله ناصر دينه.
كان النبي ساجداً بالكعبة فأتى "عقبة بن أبي معيط" بأمعاء جمل ميت يلقيها على ظهر النبي (صلى الله عليه وسلم) فيظل النبي ساجدا حتى تأتي ابنته "فاطمة" (رضي الله عنها) لتمسح عنه الوسخ باكيةً، فيقول لها النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا تبكي يا بنية إن الله ناصرٌ أباك". كم مِن إساءة!
وذات مرة كان يصلي عند الكعبة فأتى أيضا "عقبة بن أبي معيط" فخلع عباءته وبرمها ولفَّها على رقبة النبي ليخنقه.. وفي هذا يقول النبي: "فسقطت على ركبتي"..
وعندما كان يطوف بالكعبة كانوا يأخذون في الغمز واللمز عليه حتى ينتهي من الشوط الأول وكذلك الثاني والثالث، وعندما ارتفع صوتهم توقف النبي (صلى الله عليه وسلم) وذهب إليهم وقال لهم بصوت كالرعد: "تعرِفون يا معشر قريش لو لم تنتهوا لقد جئتكم بالذبح؛ فأخذهم الخوف وقالوا له: امض بسلام يا أبا القاسم ما عرفناك إلا حليما".
وليس هذا فقط فقد غيَّروا اسمه وأخذوا ينادون عليه باسم يضايقه بعد أن كان بينهم (الصادق الأمين) أصبحوا ينادونه ويقولون: "جاء مذمّم"، "عاد مذمّم" ولا يقولون "محمدا"، وكان الصحابة يتضايقون كثيرا ويستشعرون الإيذاء، ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول: "دعوهم فإنهم يشتِمون مذمّما وأنا محمّد". ويظل النبي يتعرض للإيذاء............. ويتحمله في سبيل تبيلغ الدعوة. ويأتيه الأمر من الله أن يعمل من أجل أن تصبح أنت أيها القارئ مسلماً.
كان يَصِل الليل بالنهار من أجل الدعوة فكان نهاره دعوة إلى الله وليله قيام لله، لدرجة أن السيدة "خديجة" (رضي الله عنها) تشفق عليه وتقول: "يا رسول الله أفلا تنام" فيقول لها فيما معناه أن زمن النوم مضى، رغم أن عمره كان فوق الأربعين وتجده يدعو هذا ويتحدث إلى هذا إلى أن يقول له الله هوّن عليك يا رسول الله، فيتنزل القرآن بقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}، ويموت عمه، وتموت زوجته، ويزداد الإيذاء عليه وهو ثابت يدعو إلى الله ويخرج إلى الطائف يدعو أهلها بعد مسيرة 100 كيلو على قدميه هو وخادمه "زيد بن حارثة"، ويقابلوه بأسوأ مقابلة يمكن أن يقابلها بني آدم لنبي؛ فيقابله ثلاثة من قادة الطائف فيقول له الأول: "أما وجد الله من هو خير منك يرسله؟". وقال له الثاني: "والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى أن أكلمك". وقال له الثالث: "والله لو رأيتك متعلقاً بأستار الكعبة تقسِم أنك نبي ما صدقتك".
فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني". وأقام صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا ذهب إليه ودعاه، فقالوا: اخرج من بلادنا. وسلطوا عليه سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به. واجتمع عليه الناس، فوقفوا صفين وظلوا يرمونه بالحجارة. و"زيد بن حارثة" يحتضنه حتى يتلقى الحجارة عنه، ورأس "زيد بن حارثة" ينزف، وقدما النبي تنزفان دماء، ويبحث النبي عن مكان يختبئ به ممن يتعقبونه بالحجارة، فيجد بستاناً صغيراً يدخله، فيرفع يديه إلى السماء ويقول: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وربي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحلّ عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".
وبالمناسبة بعد رحلة الطائف هذه جاءت رحلة الإسراء والمعراج، وكأن الله يقول له: إذا كان أهل الأرض آذوك فتعال لترى منزلتك عندنا في السماء.
نعود لرسولنا الكريم في هذا الموقف وقد أخذ يبحث عن أحد يأخذه إلى بلده، إلى أن وجد 6 شباب من الأنصار ما بين 18 إلى و22 عاما، فلما قابلهم دعاهم وعرض عليهم الإسلام وشاء الله أن يتفجر في قلب هذا الشباب الصغير فقالوا: "والله هذا هو النبي الذي تتواعدنا به اليهود"، فيُسلموا ويقول لهم النبي: "اذهبوا وتعالوا إليّ السنة القادمة".. إلى أن أصبحوا 12 رجلا ثم يعودون 72 رجلا وامرأتين، ويقول لهم: "اذهبوا وأنا قادم إليكم".. وعندما يذهب إليهم في المدينة لم يكن هناك بيت إلا ودخل فيه الإسلام من أصل 6 شباب اعتبر كل واحد منهم أنه مسئول عن الإسلام فعاش به وله فأعزَّ الله بهم الإسلام.
ويذهب النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة وتبدأ سلسلة جديدة من الإيذاء، فتخيل أن أول غزوة في حياة النبي كان عمره 55 سنة وهي غزوة بدر. وعلى الرغم من ذلك كان سيدنا "عليّ بن أبي طالب" القوي الشجاع يقول: "كنا إذا اشتدت بنا المعركة نختبئ خلف رسول الله حتى يتكسر في يد النبي السيف تلو السيف"، ويقف النبي يوم غزوة حنين ويقول: "أنا النبيُّ لا كَذِب، أنا ابن عبد المطلب"، ويعود النبي ويخوض المعركة تلو الأخرى، فكانت غزوة أحد أغرب ما خاضه النبي من معارك؛ فظل يحارب وعمره 56 سنة وكل الناس فرّت من حوله ولم يبقَ حوله سوى عشرين رجلا وامرأة واحدة هي السيدة أم عمارة نصيرة بنت كعب. ويأتي واحد اسمه "ابن قمئة" أراد أن يقتل النبي، فتأتي السيدة "أم عمارة" وتقف أمام النبي، وتأخذ سيفا، وكأنها تقول: "لن تصل إلى النبي إلا على جثتي"!! وعلى الرغم من أنها لا تُجيد المبارزة فما كان منه إلا أن ضربها ضربة طيرت السيف من يدها، فقد كان عيبا أن يقتل امرأة؛ ولأنها -أيضا- كانت تمثل حاجزا بينه وبين النبي، فقالت: "فهممت أن أجري فنظرت إلى النبي فإذا النبي وحده فقلت لا والله لن أتركه، فوقفت وأنا عزلاء فتعجب "ابن قمئة"، ولم يجد إلا أن يضربني بالسيف ضربات شديدة على كتفي حتى غارت عظام الكتف". والمرأة ثابتة لا تتحرك رغم أن في كتفها جرحا إذا وضعت فيه قبضة يدك تغوص بداخله. ثم سقطت في جراحها وجاء ابنها يلحقها فتقول له: "دعني أكن مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)"، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقلب كفيه ويقول: "من يطيق ما تطيقينه يا أم عمارة"، فترد عليه: "أطيق وأطيق ولكن أسألك مرافقتك في الجنة"، فيقول لها النبي: "لستِ وحدك يا أم عمارة أنتِ وأهل بيتك.. أنتم رفقائي في الجنة.. أنتم رفقائي في الجنة".
ويأتي من جديد "ابن قمئة" ويحفر حفرة للنبي، وكان النبي غير منتبه فسقط في الحفرة وارتطم وجه النبي في صخرة في الحفرة فكسرت الرباعية "الأسنان الأمامية"، فامتلأ وجه النبي بالدماء ثم أراد أن يقوم فجاء "ابن قمئة" ليضرب النبي (صلى الله عليه وسلم) على خوذته فرشق حدّ الخوذة الحديدي في وجه النبي فتعلقت في عظام الوجه، فلم يستطيعوا إخراجه، إلى أن جاء "أبو عبيدة بن الجراح" وقال: "أقسمت عليك يا أبا بكر لا يُخرج الحديد من وجه النبي إلا أنا".. وبدأ "أبو عبيدة" يُمسك وجه النبي ودماغه ويدخل أسنانه بين الحديد وبينهن وجه النبي فتكسرت أسنان "أبي عبيدة" ويخرج الحديد حتى تهشَّمت أسنان "أبي عبيدة"، فيقول الصحابة: "كنا نظن أن الأهتم أسوأ الناس وجوها حتى رأينا "أبا عبيدة" فإذا به قد ازداد جمالا على جماله بعد أن كُسِرت أسنانه من أجل رسول الله، فصار أجمل أهْتَم عرفناه في الدنيا".
وبعد أن خرج الحديد من وجه النبي انفجر الدم من وجهه الشريف فلم تعد ملامح وجه النبي واضحة من الدماء، فرفع النبي يده إلى السماء وقال: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".
ونحن إذ نذكر هذه الواقعة إنما نذكرها ليعرف كل مسلم أن الرسالة غالية، وأن ثمن توصيلها للناس غالٍ، وأن سيدنا محمدا ضحَّى في سبيلها بكل غالٍ ونفيس.
(الله زاد محمدا تكريما .... صلوا عليه وسلموا تسليما).
وكانوا يجعلوه ماضيا في أحد طرق مكة ويأتي أحد الكفار بقفة ممتلئة بالتراب ويلقيها على رأس النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكانوا يتخفّون له في طرقات مكة وفي يد الواحد منهم قبضة من تراب وعندما يمر كانوا يلقون قبضة التراب على وجهه الشريف فيمتلئ وجهه بالتراب؛ فيعود إلى بناته فإذ ببناته يبكين وإذ بالنبي يصبّرهنّ ويبشّرهنّ بأن الله ناصر دينه.
كان النبي ساجداً بالكعبة فأتى "عقبة بن أبي معيط" بأمعاء جمل ميت يلقيها على ظهر النبي (صلى الله عليه وسلم) فيظل النبي ساجدا حتى تأتي ابنته "فاطمة" (رضي الله عنها) لتمسح عنه الوسخ باكيةً، فيقول لها النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا تبكي يا بنية إن الله ناصرٌ أباك". كم مِن إساءة!
وذات مرة كان يصلي عند الكعبة فأتى أيضا "عقبة بن أبي معيط" فخلع عباءته وبرمها ولفَّها على رقبة النبي ليخنقه.. وفي هذا يقول النبي: "فسقطت على ركبتي"..
وعندما كان يطوف بالكعبة كانوا يأخذون في الغمز واللمز عليه حتى ينتهي من الشوط الأول وكذلك الثاني والثالث، وعندما ارتفع صوتهم توقف النبي (صلى الله عليه وسلم) وذهب إليهم وقال لهم بصوت كالرعد: "تعرِفون يا معشر قريش لو لم تنتهوا لقد جئتكم بالذبح؛ فأخذهم الخوف وقالوا له: امض بسلام يا أبا القاسم ما عرفناك إلا حليما".
وليس هذا فقط فقد غيَّروا اسمه وأخذوا ينادون عليه باسم يضايقه بعد أن كان بينهم (الصادق الأمين) أصبحوا ينادونه ويقولون: "جاء مذمّم"، "عاد مذمّم" ولا يقولون "محمدا"، وكان الصحابة يتضايقون كثيرا ويستشعرون الإيذاء، ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول: "دعوهم فإنهم يشتِمون مذمّما وأنا محمّد". ويظل النبي يتعرض للإيذاء............. ويتحمله في سبيل تبيلغ الدعوة. ويأتيه الأمر من الله أن يعمل من أجل أن تصبح أنت أيها القارئ مسلماً.
كان يَصِل الليل بالنهار من أجل الدعوة فكان نهاره دعوة إلى الله وليله قيام لله، لدرجة أن السيدة "خديجة" (رضي الله عنها) تشفق عليه وتقول: "يا رسول الله أفلا تنام" فيقول لها فيما معناه أن زمن النوم مضى، رغم أن عمره كان فوق الأربعين وتجده يدعو هذا ويتحدث إلى هذا إلى أن يقول له الله هوّن عليك يا رسول الله، فيتنزل القرآن بقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}، ويموت عمه، وتموت زوجته، ويزداد الإيذاء عليه وهو ثابت يدعو إلى الله ويخرج إلى الطائف يدعو أهلها بعد مسيرة 100 كيلو على قدميه هو وخادمه "زيد بن حارثة"، ويقابلوه بأسوأ مقابلة يمكن أن يقابلها بني آدم لنبي؛ فيقابله ثلاثة من قادة الطائف فيقول له الأول: "أما وجد الله من هو خير منك يرسله؟". وقال له الثاني: "والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى أن أكلمك". وقال له الثالث: "والله لو رأيتك متعلقاً بأستار الكعبة تقسِم أنك نبي ما صدقتك".
فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني". وأقام صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا ذهب إليه ودعاه، فقالوا: اخرج من بلادنا. وسلطوا عليه سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به. واجتمع عليه الناس، فوقفوا صفين وظلوا يرمونه بالحجارة. و"زيد بن حارثة" يحتضنه حتى يتلقى الحجارة عنه، ورأس "زيد بن حارثة" ينزف، وقدما النبي تنزفان دماء، ويبحث النبي عن مكان يختبئ به ممن يتعقبونه بالحجارة، فيجد بستاناً صغيراً يدخله، فيرفع يديه إلى السماء ويقول: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وربي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحلّ عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".
وبالمناسبة بعد رحلة الطائف هذه جاءت رحلة الإسراء والمعراج، وكأن الله يقول له: إذا كان أهل الأرض آذوك فتعال لترى منزلتك عندنا في السماء.
نعود لرسولنا الكريم في هذا الموقف وقد أخذ يبحث عن أحد يأخذه إلى بلده، إلى أن وجد 6 شباب من الأنصار ما بين 18 إلى و22 عاما، فلما قابلهم دعاهم وعرض عليهم الإسلام وشاء الله أن يتفجر في قلب هذا الشباب الصغير فقالوا: "والله هذا هو النبي الذي تتواعدنا به اليهود"، فيُسلموا ويقول لهم النبي: "اذهبوا وتعالوا إليّ السنة القادمة".. إلى أن أصبحوا 12 رجلا ثم يعودون 72 رجلا وامرأتين، ويقول لهم: "اذهبوا وأنا قادم إليكم".. وعندما يذهب إليهم في المدينة لم يكن هناك بيت إلا ودخل فيه الإسلام من أصل 6 شباب اعتبر كل واحد منهم أنه مسئول عن الإسلام فعاش به وله فأعزَّ الله بهم الإسلام.
ويذهب النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة وتبدأ سلسلة جديدة من الإيذاء، فتخيل أن أول غزوة في حياة النبي كان عمره 55 سنة وهي غزوة بدر. وعلى الرغم من ذلك كان سيدنا "عليّ بن أبي طالب" القوي الشجاع يقول: "كنا إذا اشتدت بنا المعركة نختبئ خلف رسول الله حتى يتكسر في يد النبي السيف تلو السيف"، ويقف النبي يوم غزوة حنين ويقول: "أنا النبيُّ لا كَذِب، أنا ابن عبد المطلب"، ويعود النبي ويخوض المعركة تلو الأخرى، فكانت غزوة أحد أغرب ما خاضه النبي من معارك؛ فظل يحارب وعمره 56 سنة وكل الناس فرّت من حوله ولم يبقَ حوله سوى عشرين رجلا وامرأة واحدة هي السيدة أم عمارة نصيرة بنت كعب. ويأتي واحد اسمه "ابن قمئة" أراد أن يقتل النبي، فتأتي السيدة "أم عمارة" وتقف أمام النبي، وتأخذ سيفا، وكأنها تقول: "لن تصل إلى النبي إلا على جثتي"!! وعلى الرغم من أنها لا تُجيد المبارزة فما كان منه إلا أن ضربها ضربة طيرت السيف من يدها، فقد كان عيبا أن يقتل امرأة؛ ولأنها -أيضا- كانت تمثل حاجزا بينه وبين النبي، فقالت: "فهممت أن أجري فنظرت إلى النبي فإذا النبي وحده فقلت لا والله لن أتركه، فوقفت وأنا عزلاء فتعجب "ابن قمئة"، ولم يجد إلا أن يضربني بالسيف ضربات شديدة على كتفي حتى غارت عظام الكتف". والمرأة ثابتة لا تتحرك رغم أن في كتفها جرحا إذا وضعت فيه قبضة يدك تغوص بداخله. ثم سقطت في جراحها وجاء ابنها يلحقها فتقول له: "دعني أكن مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)"، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقلب كفيه ويقول: "من يطيق ما تطيقينه يا أم عمارة"، فترد عليه: "أطيق وأطيق ولكن أسألك مرافقتك في الجنة"، فيقول لها النبي: "لستِ وحدك يا أم عمارة أنتِ وأهل بيتك.. أنتم رفقائي في الجنة.. أنتم رفقائي في الجنة".
ويأتي من جديد "ابن قمئة" ويحفر حفرة للنبي، وكان النبي غير منتبه فسقط في الحفرة وارتطم وجه النبي في صخرة في الحفرة فكسرت الرباعية "الأسنان الأمامية"، فامتلأ وجه النبي بالدماء ثم أراد أن يقوم فجاء "ابن قمئة" ليضرب النبي (صلى الله عليه وسلم) على خوذته فرشق حدّ الخوذة الحديدي في وجه النبي فتعلقت في عظام الوجه، فلم يستطيعوا إخراجه، إلى أن جاء "أبو عبيدة بن الجراح" وقال: "أقسمت عليك يا أبا بكر لا يُخرج الحديد من وجه النبي إلا أنا".. وبدأ "أبو عبيدة" يُمسك وجه النبي ودماغه ويدخل أسنانه بين الحديد وبينهن وجه النبي فتكسرت أسنان "أبي عبيدة" ويخرج الحديد حتى تهشَّمت أسنان "أبي عبيدة"، فيقول الصحابة: "كنا نظن أن الأهتم أسوأ الناس وجوها حتى رأينا "أبا عبيدة" فإذا به قد ازداد جمالا على جماله بعد أن كُسِرت أسنانه من أجل رسول الله، فصار أجمل أهْتَم عرفناه في الدنيا".
وبعد أن خرج الحديد من وجه النبي انفجر الدم من وجهه الشريف فلم تعد ملامح وجه النبي واضحة من الدماء، فرفع النبي يده إلى السماء وقال: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".
ونحن إذ نذكر هذه الواقعة إنما نذكرها ليعرف كل مسلم أن الرسالة غالية، وأن ثمن توصيلها للناس غالٍ، وأن سيدنا محمدا ضحَّى في سبيلها بكل غالٍ ونفيس.
(الله زاد محمدا تكريما .... صلوا عليه وسلموا تسليما).